جاروي:( 29 January 2010): جزر القمر دولة عربية إسلامية إفريقية تقع في مضيق موزمبيق بين مدغشقر والساحل الإفريقي،أطلق عليها أرض التوابل والعطور والزهور وحتى نتعرف على أوضاعها التقينا بالدكتور سعيد برهان عبد الله عميد كلية الإمام الشافعي وكان لنا معه الحوار التالي :
أكيد أن الإسلام وصل إليها عن طريق التجار كما هو شأن أكثر بلدان شرق إفريقيا ،السفن التي تأتي من جنوب آسيا ومن إفريقيا تتزود وتستريح في جزر القمر ، أما تحديد وقت دخول الإسلام هناك عدة آراء ولكن يمكننا القول بأن الإسلام وصل إليها في وقت مبكر . أما التسمية فالعرب الذين زاروها هم الذين أطلقوا عليها هذا الاسم ، ويقال إنهم اكتشفوها في ليلة مقمرة كما قيل إنهم رأوا طائر القمري كثير فيها فأطلقوا عليها الاسم. المؤرخ محمود شاكر حين تحدث عن اليمن ذكر أن هناك جبال يطلق عليها اسم "القمران" .. أو جزائر القمر ، وأهلها يسمون القمريون . أعتقد أن العرب حين وصلوا إليها نقلوا الأسماء الموجودة عندهم ، ولا بد أن نعرف أن اسم جزر القمر كان يطلق على مدغشغر لأنها أكبر وأول جزيرة في بحر الزنج –كما يسميها الجغرافيون العرب -هي مدغشغر ،وأقرب نقطة اتصال برية للجزيرة هي موزمبيق .
جزر القمر أو Comorosهي أرخبيل يتألف من أربع جزر كبرى وجزر صغيرة وأكبر تلك الجزر مساحة وسكانا جزيرة القمر الكبرى وفيها العاصمة الاتحادية موروني. عدد سكان جزر القمر لا يبلغ المليون حوالي 650 ألف نسمة موزعون على ثلاث جزر رئيسية ،والرابعة ما زالت تحت الاستعمار الفرنسي وهي جزيرة " مايوتي" وسكانها لا يطالبون بالاستقلال وفي يوم 29 مارس من العام 2009 صوتوا لأن تصير الجزيرة مقاطعة فرنسية من وراء البحار. والعملة المستخدمة هي الفرنك القمري ، ويعتبر الصيد البحري، والزراعة الموارد الأساسية لجزر القمر بالإضافة إلى قطاع الخدمات المزدهر. تأخر التحاق الجزر بالجامعة العربية عام 1993 ، والقمريون لا يميزون بين العرب والإسلام ،في الهوية والانتماء ويميلون بطبعهم إلى تعلم اللغة العربية والاعتزاز بها ،واللغة القمرية أكثر من 60% من كلماتها من العربية المحرفة.
وصل البرتغاليون والبريطانيون وغيرهم ودخل الفرنسيون 1841 جزيرة مايوتي ثم دخلوا الجزائر الأخرى بمعاهدات مع سلاطينها .. كتب الفرنسيون تاريخ جزر القمر وبعضها جزر حديثه . وبقيت تحت الاحتلال الفرنسي مع مدغشغر حتى عام 1948 حين حدث فك الارتباط بين مدغشغر وجزر القمر .. وأعطيت جزر القمر الحكم الذاتي في حدود عام 1960 تحت اللواء الفرنسي حاكم للجزيرة وتحته حاكم محلي. واعترف يوم 6 يوليو 1975 بيوم عيد الاستقلال . وعيد الاتحاد 12 نوفيمبر 1975 .
أول رئيس بعد الاستقلال أحمد عبد الله عبد الرحمن يعتبر بأنه أبو الاستقلال لم تدم فترته طويلا بل أطاح به رئيس ثوري علي صالح؛ لكنه عاد بعد ثلاث سنوات وقلب عليه الحكم وقتله ، واستمر في الحكم 11 سنة حتى قتله مرتزقة استأجرهم لحمايته لاختلاف داخلي ، ثم جاء من بعد السيد محمد جوهر يسمونه أبو الديمقراطية حيث إنه فتح باب الديمقراطية والأحزاب السياسية . ثم تلاه محمد تقي عبد الكريم ولم يكمل ولايته ،وفي عهده انفصلت جزيرة هندوان عن الحكم المركزي ، وبعد وفاته آل الحكم إلى رئيس المحكمة الدستورية تاج الدين بن سيد مسعود وهو هندواني. وكادت أن تندلع حرب أهلية وقلب العسكر الحكم على الرئيس الجديد عثمان غزالي، وأجهضت الحرب الأهلية ، وواصل الرئيس الحوار حتى تحقق ميثاق 17/2/2001 ومن البنود المتفق عليها أن الرئاسة تدوير الرئاسة أن تصبح دورية ،واسم البلاد تغير إلى جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية ،ويكون لكل جزيرة حكومة محلية فيدرالية موسعة . في عام 2002 أجريت انتخابات الرئاسة ففاز الغزالي نفسه والذي حكم 4 سنوات هي مدة ولايته ، وخرج من القصر الرئاسي، بعد انتخاب الرئيس الحالي أحمد عبدالله محمد سامبي 2006 . وكان من المفترض أن يجري انتخابات الجزر الداخلية ،وحددت المواعيد ، ولكن تم تأجيل الانتخابات ونتيجة للتأخير أعلنت جزيرة هندوان أنها تجري انتخاباتها من طرف واحد ففعلت وفاز فيها محمد بكر ولم يوافق على فوزه الرئيس سامبي ، فاستنجد بالجيوش من السوادن وتنزانيا .
لعله للصداقة القوية مع رؤساء تلك البلدان .
الظروف حاليا ليست مستقرة لأن الرئيس يسعى لتمديد فترة حكمه وتغيير بنود الدستور وهو داء خطير في إفريقيا.
رؤساء الجزر منذ أيام الاستعمار ميالون إلى التدين وأول رئيس بعد الاستقلال كان يؤم المصلين في العيد ويلقي الخطب . الرئيس عثمان الغزالي كان يأتي إلى المسجد ويعلق على الخطب ويوجه الجمهور توجيها إسلاميا والفارق أن الرئيس أحمد سامبي يجيد اللغة العربية . هل توجد جهود لتطبيق الشريعة الإسلامية ،وهل يرد ذلك في خطاب هؤلاء الرؤساء؟ لا يوجد في الداخل جهود تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية ،ربما للتأثير الغربي عن طريق التعليم الذي تسيطر عليه فرنسا ، ولم تصدر قرارات تتجه نحو التغيير ، ولا يعني هذا أنه ليس هناك صحوة إسلامية في جزر القمر ،وتوجه إسلامي عام.
التعليم العربي يحظى بتأييد الرئيس ومباركته ولكن الأمر دون المستوى المأمول، والشعب القمري شعب متدين لا يتعصب للفرنسية ويحارب الإسلام . الفرنسية هي لغة النخبة ، وقاعدة المتحدثين بالعربية آخذة في الازدياد يوما بعد يوم. في الإدارات الحكومية الملفات تكون بنسختين بالعربية والفرنسية .. التعليم العربي قديما كان أهليا ، والآن صار حكوميا تصدر الشهادات الثانوية من الوزارة على قدم المساواة مع الفرنسية. واللغة العربية مقررة في المدارس ، ولها نسبة في النجاح والرسوب.
نعم ، بالفعل هناك رابطة العالم الإسلامي تشرف على ستة معاهد من الابتدائية إلى الثانوية وتدرس باللغة العربية والفرنسية ، وعدد طلابها 3 آلاف طالب ، وكذلك لجنة مسلمي إفريقيا لها مجتمع تعليمي يسمى مدرسة ابن خلدون 800 طالب، ومنظمة الدعوة الإسلامية-مقرها في السودان- تشرف أيضا على معهد علمي اسمه معهد حمدان بن راشد ثانوي وعلمي لأن انفاقه من حاكم دبي. هناك حاليا برامج لتعليم العربية لغير الناطقين بدعم من منظمة أسيسكو ثم الآن في الجامعة قسم للتعليم المستمر في كلية الإمام الشافعي . هناك مؤسسة كويتية تشجع اللغة العربية هي مؤسسة تدفع جائزة عبد العزيز بن سعد البابطين للإبداع الشعري في نشر اللغة العربية وتعليمها لغير الناطقين بها ويتعاونون مع كلية الإمام الشافعي في هذا الجانب . وكما تلاحظ فإن معظم تلك الجهود هي جهود منظمات إسلامية مدركة للتأثير الثقافي ولأساليبه.
في عهد الرئيس الأول أحمد عبد الله أنشئ معهد عالي لإعداد المعلمين وفي عهد الرئيس جوهر أغلق هذا المعهد واعتبر ذلك منه تصرفا غير حكيم. ثم تأسس المعهد العالي للعلوم الصحية ،والمؤسسة الوطنية للتربية لإعداد مدرسي المدارس الابتدائية فالمدرسة الوطنية للعلوم الإدارية، وكانت تلك المعاهد تمنح درجة الدبلوم . في عام 2002 قامت دار الإفتاء بجهود من أمينها العام فأسسوا كلية الإمام الشافعي وهي أول مؤسسة تعليمية تحمل اسم كلية، ثم إن رئيس الجمهورية آنذاك أعجب بهذه الخطوة فأنشأ الجامعة الوطنية جامعة جزر القمر وأصدر المرسوم الرئاسي بذلك في 8 سبتمبر 2003. وضمت كلية الإمام الشافعي إليها وتعتبر هي الكلية الأم للجامعة. والجامعة حاليا تتكون من 4 كليات هي القانون والعلوم الإدارية، وكلية الآداب وا متظاهرون من سكان جازيجة، رابع كبرى الجزر من جزر القمر، مطالبين بتدوير المقعد الرئاسي حسبما ينص الدستور لعلوم الإنسانية ،وكلية الإمام الشافعي للعلوم الإسلامية واللعربية . وجميع الكليات تدرس باللغة الفرنسية ما عدا كلية الشريعة.وهناك مؤسستان مهمتان دون الجامعة وهما : المعهد العالي لإعداد المعلمين ، والمعهد التقني الجامعي.وهناك المدرسة الوطنية للعلوم الصحية وهي من ضمن الجامعة الوطنية .
أساتذة الجامعة كانوا عند الافتتاح 141 وكلهم قمريون ما بين حامل دكتوراة وماجستير ، والآن يتجاوزون المائتين ،وعدد الطلاب 4 آلاف.
نسبة الأمية في جزرالقمر منخفضة جدا لأن القمريين جميعا يقرؤن الحرف العربي ، واللغة المحلية القمرية تكتب بالحرف العربي ،ويتعلمها الطلاب في الخلوة القرآنية التي تسمى عندنا" شيوني".والشعب حريص على التعليم ،وحتى الإنسان الفقير يبيع أرضه ليبعث أبناءه إلى التعليم.
رغم تنوع المؤثرات والجامعات التي يلتحق بها الطلبة القمريون في البلاد الإسلامية، فهناك حالة عجيبة تعد استثناء لا نجد حضورا لتلك الحركات الإسلامية بالمنتشرة في البلاد الإسلامية الأخرى، وأنك لا تستطيع أن تميز بعلامة فاصلة بين الأنشطة الدعوية في جزر القمر .. يوجد فقط تأثر بالأفكار ولا يوجد من يرفع راية لتلك الحركات. توجد جمعيات هدفها نشر القرآن وهناك روابط للعلماء ،ومؤسسات رسمية للدولة كدار الإفتاء والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية . أما الطرق الصوفية فأوسعها حضورا وانتشارا هي الطريقة الشادلية التي تنتمي إلى أبي الحسن الشادلي. وفي الثمانينيات حدث احتكاك بين الطرق الصوفية والطلاب الجدد الذي عادوا من الجامعات ثم زالت المشكلة .. بفضل انتشار التعليم وبدأ الشيوخ يتقبلون التغيير والتعليم الحديث. وأنا حاليا أعمل مع المفتي العام للجمهورية وهو مصنف من كبار رجال طبقة الصوفية ونحن نعمل معه في وئام وصلتي به قوية بل أحترمه كالوالد .
الذين درسوا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة مثلا تاثروا بما درسوه طبعا ولكن لم يؤسسوا تيارا حركيا أو نشاطا خاصا بهم .. وهكذا بقية المتعلمين . وأنا أقول إن تلك العداوات منشؤها غالبا من الجهل ، وديننا يتكون من :عقائد وشرائع وأخلاق أو سلوك فالصوفية ركزوا على جانب الأخلاق والسلوك أكثر من أي جانب آخر ، وفيهم من غالى في هذا الجانب كثيرا أو قليلا وكان خارجا عن حقيقة التصوف ،والتيار السلفي ركز على جانب العقائد وأتوا أحيانا بما لا يحتاج إليه ووسعوا الكلام فيها ولا يعني هذا أن ما قالوه يخالف الإسلام بالضرورة . وفئة الفقهاء اهتموا كثيرا بالشرائع ومنهم من توسع وتشدد في التقليد ،وفرض الفروض . وهذه الجوانب في ديننا متكاملة لكن الناس اعتقدوا أنها أمور مختلفة ولكنها متكاملة في الحقيقة ، وكل زيادة لا حاجة إليها في جانب من تلك الجوانب هو منشأ المشكلة .
طبيعة القمريين لا تتفق مع طبيعة "القاعدة "لأنهم مسالمون يحبون الهدوء وييتجنبون المشاكل حتى معاركهم معارك كلامية ،وانقلاباتهم بيضاء لا تراق فيها الدماء ولو أراد أن يجرهم أحد إلى مثل هذه الأمور سيتعب كثيرا .ولكل قاعدة شواذ –كما يقول العلماء - وهذا الاعتدال بفضل التربية الأصيلة التي ينتهجها علماء جزر القمر.
المذهب الشافعي هو المذهب الفقهي السائد ،فالقمريون شوافع .
نعم منهم السيد طاهر شاعر كبير توفي قبل 30 سنة تقريبا ، والمفتي السابق كان يكتب الأشعار ، السيد محمد عبد الرحمن ويلقيه في المناسبات الرسمية، وشعراء جزر القمر في الغالب لا يتحدثون عن المعاني الوطنية.
حاوره : محمد عمر أحمد
المصدر:
انقر هنا